دولي

رخيصة وفتاكة ومُجربة.. المسيّرات التركية توسع مبيعاتها في أوروبا وتفجر نقاشات “إستراتيجية

إسطنبول- “تصب كافة المؤشرات في اتجاه أن ألبانيا ستكون ثالث دولة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تقرر شراء المسيرات التركية القتالية من طراز “بيرقدار” وذلك بعد لاتفيا وبولندا العضوان في الاتحاد الأوروبي أيضاً، لتضاف إلى قطر وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا، وسط تقارير عن اهتمام العديد من الدول الأخرى باقتناء المسيرات التركية ومنها المغرب والمجر وبيلاروسيا وحتى بريطانيا لتحقق بذلك المسيرات التركية التي أثبتت جدارتها في العديد من ساحات القتال مؤخراً مبيعات قياسية أثارت احتقان الكثير من الدول والشركات الدفاعية التي تصدرت تقليدياً صادرات السلاح.
وفي الأشهر الأخيرة، يدور في الكثير من الدول الأوروبية نقاش معمق انتقل من أروقة الصحافة والرأي العام إلى البرلمانات ووزارات الدفاع والحكومات حول التفوق التركي في الطائرات القتالية المسيرة، وسط دعوات لسرعة التحرك من أجل الحفاظ على عدم تغير ميزان القوى لصالح تركيا وتحركات للبدء ببرامج من أجل صناعة مسيرات قتالية تتفوق على المسيرات التركية التي أثبتت تفوقها في سوريا وليبيا وأذربيجان وبدأت تنتشر بقوة في الدول الأوروبية.
صفقات متلاحقة
قناة “Exit TV” الألبانية، كشفت أمس أن ألبانيا ستشتري طائرات بدون طيار تركية بقيمة 8.2 مليون يورو من شركة بايكار ديفينس التركية. وقالت القناة إن الميزانية الحكومية التي عدلت في 22 حزيران / يونيو الحالي خصصت مبلغاً من المال لوزارة الدفاع لهذا الغرض. وفي وقت سابق من هذا الشهر نشر وزير الداخلية الألباني بليدار تشوتشي لقطات من لقائه ممثلي الشركة وزيارة مصنعها في تركيا.
وفي بداية الشهر الجاري، زار وزير الدفاع الليتواني العاصمة التركية أنقرة وتجول في مصانع كبرى شركات الصناعات الدفاعية التركية مقدماً إشارات كبيرة على نية بلاده اقتناء المسيرات التركية من طراز “بيرقدار” وأسلحة تركية أخرى لتكون بذلك ثاني دولة أوروبية عضو في حلف شمال الأطلسي تقتني المسيرات التركية بعد بولندا.
وكتب الوزير الليتواني عقب زيارته شركة بايكار: “الصناعة التركية لديها أعلى المعايير العالمية في البحث والتطوير، ونحن نقدّر ذلك كثيراً بصفتنا حليفاً في الناتو”. ورداً على تغريدة تساءلت عن الزمان الذي يُتوقع أن تحلّق فيه مسيّرة بيرقدار في أجواء لاتفيا، كتب الوزير: “أتمنى أن يكون ذلك قريباً”. مشدداً على أن “الطائرات المسيّرة هي النقطة التي نوليها اهتماماً حالياً، وسنواصل الاهتمام بها كثيراً”.
والشهر الماضي، وقّعت بولندا رسمياً على عقد شراء 24 مسيرة تركية من طراز بيرقدار خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس البولندي للعاصمة التركية أنقرة التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، فاتحاً عهدا جديدا للصناعات الدفاعية التركية التي اقتنتها لأول مرة دول في الاتحاد الأوروبي والناتو على حد سواء، وعززت موقع تركيا كمصدر للصناعات الدفاعية الكبيرة بعدما كانت إحدى أبرز المستوردين للصناعات الدفاعية من دول الناتو.
وسبق أن باعت تركيا مسيراتها الاستطلاعية والهجومية إلى العديد من الدول، منها قطر وأذربيجان وليبيا ولاحقاً إلى أوكرانيا التي اشترت طائرة “بيرقدار”، فيما اشترت تونس طائرات مسيرة من طراز “عنقاء”، وسط أنباء عن قرب توقيع المغرب على صفقة لشراء مسيرات تركية، وتسريبات عن نية دول أخرى جديدة اقتناء المسيرات التركية قريباً منها صربيا والمجر وبيلاروسيا وبلغاريا والتشيك، كما ظهرت مؤشرات أضعف على رغبة إيطاليا وحتى المملكة المتحدة في اقتناء هذه المسيرات أو الإنتاج المشترك لها، دون تأكيدات رسمية من الجانبين.
وكان تقرير لموقع Defense World نشر الشهر الماضي تحدث عن أن هناك دول أوروبية أخرى يمكن أن تشتري الطائرات التركية بدون طيار، من ضمنها بيلاروسيا والمملكة المتحدة وبلغاريا والتشيك والمجر.
نفوذ متعاظم
على الرغم من أن العديد من الدول اشترت سابقاً المسيرات التركية، إلا أن اقتناءها من قبل ثلاث دول أعضاء في حلف الناتو منها دولتان في الاتحاد الأوروبي أيضاً، يحمل أهمية خاصة بالنسبة لأنقرة التي تسعى لتعزيز موقفها كقوة متنامية -أكبر من إقليمية- وتعزز مكانتها كعضو أساسي منتج وداعم لا يمكن الاستغناء عنه في المعسكر الغربي بعد الشكوك التي أثيرت حول مكانتها بسبب التقارب الكبير مع روسيا في السنوات الأخيرة وما ولّده ذلك من اتهامات بالابتعاد عن المعسكر الغربي.
وقبل أيام، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية عن تعاظم مبيعات المسيرات التركية حول العالم وذلك في ظل انتقادات لتفوق الصادرات التركية في هذا المجال وفشل الصناعات الفرنسية في تقديم بديل لدول أوروبا والناتو للحفاظ على موقعها كمصدر رئيسي للأسلحة في المعسكر الغربي، حيث تواجه إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون انتقادات متزايدة في مجالات مختلفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن المسيرات التركية أثبتت جدارتها في سوريا وليبيا وقره باغ، ما عزز الصادرات “الرخيصة والفعالة” حول العالم، معتبرة أن تركيا أصبحت بين منتجي المسيرات المسلحة البارزين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والصين في فترة قصيرة أقل من 10 أعوام، مشيرة أيضاً إلى أن بيرقدار يمكنها جمع معلومات حول موقع قوات العدو، وتوجيه الطائرات الحربية إلى الهدف وتنظيم هجماتها الخاصة بفضل الصواريخ الأربعة الموجهة بالليزر التي تحملها كما أظهرت نتائج مفاجأة عبر شل أنظمة “بانتسير” الروسية المضادة للطائرات في سوريا وليبيا، وصواريخ إسكندر الروسية في أرمينيا.
وقبل أيام أيضاً، كتبت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن المسيرات التركية بالقول إنها رغم انخفاض تكلفتها، إلا أنها برزت كعنصر “مغير لقواعد اللعبة” في المعارك التي شاركت بها في سوريا وليبيا وأذربيجان، معتبرة أنها “أعادت رسم مناطق الصراع الجيوسياسية”.
وجاء في التقرير: “إسرائيل والولايات المتحدة كانتا رائدتين في قطاع الطائرات المسيّرة المسلحة سابقاً.. أنتجت التطورات التكنولوجية والمنافسون العالميون بدائل غير مكلفة. مسيّرة بيرقدار TB2 التركية أحدث مثال على تلك المسيرات”، وورد أيضاً: “نجاح الطائرات من دون طيار ساعد أردوغان على زيادة نفوذه الإقليمي دون المخاطرة بأعداد كبيرة من الجنود أو المعدات باهظة الثمن”.
نقاشات عميقة
يُعتبر وزير الدفاع البريطاني بن والاس، من أبرز المتحمسين لبرنامج الطائرات التركية المسيرة، وقال في أحد تصريحاته منتقداً تراجع تحديث الصناعات الدفاعية الغربية: “خذوا على سبيل المثال الطائرة التركية المسيرة بيرقدار. لقد كان استخدامها في سوريا وليبيا وأماكن أخرى مسؤولا عن دمار المئات من العربات المدرعة وحتى أنظمة الدفاع الجوي.. جذور تلك الطائرات المسيرة ناشئة من الابتكار التركي، لقد ابتكروا وفعلوا ما اعتدنا على فعله نحن”، وسط تقديرات مختلفة عن توجه الوزير للبدء ببرنامج بريطاني لصناعات طائرات مسيرة أو الاستفادة من التجربة التركية واقتناء طائرات بيرقدار المجربة وبتكلفة أقل.
وفي ألمانيا أيضاً، جرى نقاش عميق حول ملف المسيرات التركية، حيث اعتبر تقرير لصحيفة “دي فيلت” الألمانية أن المسيرات التركية “رخيصة وفتاكة وتغير موازين القوى العسكرية وجعلت من تركيا رائدة في هذا المجال”، قبل أن ينتقل النقاش للبرلمان الألماني حول ضرورة تطوير برنامج للطائرات المسيرة القتالية وهو محل خلاف قديم داخل البرلمان. ودار نقاش حول إمكانية بناء تحالفات أوروبية لتطوير طائرات مسيرة قتالية.
وبنفس الطريقة، دار نقاش كبير حول المسيرات التركية في إيطاليا. وأبرزت الصحافة الإيطالية مراراً تفوق تركيا في هذا المجال، وفي ظل وجود تقارب تركي- إيطالي برز في الأزمة الليبية، ومشاهدة إيطاليا عن قرب كيف تمكنت المسيرات التركية من قلب سير المعركة في ليبيا، يتكهن البعض في تركيا بإمكانية أن تفكر روما بشراء المسيرات التركية، إلا أن هذا التقدير لا تدعمه أي تقارير معلوماتية رسمية بعد.
وفي تعقيبه على بيع بيرقدار إلى بولندا نهاية الشهر الماضي، قال أردوغان إن 180 طائرة مُسيَّرة محلية الصنع من طراز “بيرقدار” تؤدي مهامها حالياً في 4 دول بينها تركيا، وأضاف: “اتفاقية بيع المسيرات التركية لبولندا تحمل أهمية كبيرة لأنها أول صفقة لبيع صناعات دفاعية بتكنولوجيا تركية متقدمة لدولة في الاتحاد الأوروبي والناتو”، وتابع: “مع دخول مسيّرة أقنجي الخدمة قريباً، ستشكل إضافة نوعية كبيرة أيضاً في هذا المجال كما نهدف إلى جعل مقاتلاتنا من دون طيار تحلق في سماء الوطن عام 2023”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى