دولي

تركيا تعرض على الناتو البقاء في أفغانستان وحماية مطار كابول.. الشروط والفرص والمخاطر

: عقب تسريبات مختلفة، أكدت مصادر تركية أن أنقرة عرضت بالفعل على الإدارة الأمريكية البقاء في أفغانستان عقب انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومواصلة حماية مطار كابول الدولي، وهو ما أكدته لاحقاً مصادر أمريكية بالقول إن المباحثات الأولوية قد بدأت بالفعل بين الجانبين حول العرض الذي يحمل في طياته الكثير من الشروط والفرص والمخاطر لتركيا الراغبة في تعزيز نفوذها أكثر وأكثر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ولتركيا علاقات متقدمة مع الحكومة الأفغانية كما تربطها علاقات جيدة مع حركة طالبان وتعمل حالياً على استضافة جولة متقدمة من المباحثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان على أراضيها، كما بنت طوال العقود الماضية وخاصة في السنوات الأخيرة علاقات أقوى مع الشعب الأفغاني من خلال تعزيز نفوذ المؤسسات والهيئات الإنسانية والثقافية والاجتماعية والتعليمية على الأراضي الأفغانية، كما جرى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بشكل لافت في السنوات الأخيرة بين البلدين.
وعلى الرغم من أن تركيا جزء أساسي من قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان منذ سنوات طويلة، إلا أنها رفضت الانخراط في العمليات العسكرية الهجومية أو عمليات عسكرية مباشرة وانحصر دور الجيش التركي في تقديم خدمات تأمين مطار كابول ومرافق حيوية إلى جانب تقديم الخدمات الإنسانية للمواطنين الأفغان.
ومنذ أيام، قالت مصادر غير رسمية متعددة إن أنقرة عرضت القيام بحراسة وتشغيل مطار كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي الأخرى من أفغانستان، حيث جرى تقديم العرض بشكل رسمي في اجتماع الناتو الذي جرى الشهر الماضي واتخذ فيه قرار سحب القوات بحلول الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بعد 20 عاماً على الحرب.
ونقلت رويترز عن مصادر تركية إن مسؤولين من الجانبين باشروا بالفعل في بحث القضية والمتطلبات المحتملة للمهمة والتي وافقت واشنطن على معالجة بعضها، وقال مسؤول تركي: “في أعقاب قرار الولايات المتحدة الإنسحاب من أفغانستان، عرضت تركيا توفير التأمين لمطار كابول. تجري محادثات في هذا الإطار مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة”.
أنقرة تسعى لملء فراغ الناتو وتعزيز نفوذها في آسيا
هذه الأنباء سرعان ما أكدها وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الأربعاء، لافتاً إلى أن “تركيا تبحث مع الحلفاء والولايات المتحدة سبل تأمين مطار كابول في أعقاب انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان”، وأضاف في لقاء مع التلفزيون الرسمي: “تركيا مسؤولة بالفعل عن أمن المطار في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي”، مشيرا إلى أن توسيع المهمة “يتطلب موافقة الحكومة الأفغانية”.
لكن شرط موافقة الحكومة الأفغانية على توسيع مهمة القوات التركية في مطار كابول لا يعتبر الشرط الوحيد لأنقرة التي رهنت تنفيذها المهمة بتلبية الناتو مجموعة من التعهدات لها تتعلق بتوفير الدعم للمهمة التي ستتولاها تركيا وستشمل ضمان أمن تحرك البعثات الدبلوماسية بطريقة أو بأخرى نيابة عن باقي دول الحلف.
وعن هذه الشروط، يقول وزير الدفاع التركي خلوصي أقار: “نعتزم البقاء في أفغانستان حسب الشروط، ما هي شروطنا؟ الدعم السياسي والمالي واللوجستي. إذا تم الوفاء بذلك، يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي”. إلا أن مصادر أمريكية قالت إن الدعم الذي تطلبه تركيا “كبيراً جداً”.
وقال جاوش أوغلو في تصريح آخر: “لا شك أن هذا المطار قضية تهم الجميع.. البقاء في أفغانستان ليس مسؤولية يمكن أن تتحملها دولة ما دون تقديم الدعم اللازم، فهذه مخاطرة أمنية، وعبء خطير أيضا، يجب تقاسمه”، مضيفاً: “ونحن نناقش مع الحلفاء، والحلف، والولايات المتحدة، ودول أخرى كيف سندعم أفغانستان مع انسحاب بعثة الدعم الحازم من هناك، وهل ستكون تركيا بمفردها أو مع دول أخرى فيما يتعلق بأمن وتشغيل هذا المطار؟”، وتابع: “تقترح تركيا أن تتولى عدة دول هذه المهمة (تشغيل المطار) بدعم من الناتو وبعض الدول المهمة، حتى ولو لم يكن ذلك تحت سقف الحلف”.
ويبدو أن واشنطن تبدي حماساً لفكرة تولي تركيا مهمة حماية مطار كابول، إلا أن الخلافات الكبيرة بين البلدين والتي تصاعدت بشكل كبير جداً في السنوات الأخيرة خلخلت التحالف بين البلدين ما أدى إلى تراجع مستوى الثقة بينهما وهي أكبر معضلة سوف يسعى زعيما البلدين رجب طيب أردوغان وجو بايدن لتجاوزها في القمة المقررة بينهما على هامش اجتماع الناتو بعد أيام في بروكسل، حيث يرى مراقبون أن العرض التركي يمكن أن يتحول إلى فرصة لعودة الثقة والتعاون بشكل أكبر بين أنقرة وحلفائها في الناتو وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية.
ويتوقع أن يكون هذا الملف من أبرز الموضوعات التي سيبحثها أردوغان وبايدن الأسبوع المقبل، وبينما عبر وزير الخارجية التركي عن أمله في الوصول إلى “نتائج إيجابية” في اللقاء، أكد البنتاغون أن المباحثات حول العرض التركي بدأت بصورة أولية بين الجانبين، في حين أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي إلى أن الزعيمان سيبحثان المسألة أيضاً.
وتشارك تركيا بقرابة 500 جندي ضمن قوات الناتو في أفغانستان حصرت مهامها في تدريب القوات الأفغانية وتقديم الخدمات الإنسانية للمواطنين، وفي حال أوكلت إليها مهمة حماية المطار بالكامل فإنها ستكون بحاجة إلى توسيع مهمتها وزيادة عدد قواتها وإدخال ربما قوات جوية مختلفة وهو ما قد يدخل في تعقيدات سياسية داخلية في حال تطلب الأمر إذناً من البرلمان، كما سيتطلب ميزانية كبيرة تسعى أنقرة للحصول عليها من الناتو وواشنطن على وجه التحديد.
كما تحمل هذه المهمة في طياتها مخاطر المواجهة العسكرية في الوحل الأفغاني بمفردها، إلا أن أنقرة لا تنظر إلى هذه المهمة على أنها هجومية أو صدامية، وإنما مهمة بالتوافق مع الأطراف الأفغانية لا سيما وأن تركيا تتمتع بقبول كبير في أفغانستان ويمكنها التوصل إلى الكثير من التوافقات والحصول على دعم من الحكومة وحتى أطراف معارضة باعتبار أن مهمتها ليست هجومية وتأتي لضمان استمرار تقديمها الخدمات الإنسانية والتعليمية وغيرها.
إلا أن هذه المهمة تبقى تحمل في طياتها الكثير من المخاطر لا سيما هجمات تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” والتنظيمات المتشددة الأخرى والدخول في صراع التوازنات الإقليمية، لا سيما وأن أنقرة تريد فرض نفوذها في أفغانستان بعد انسحاب القوات الغربية في إطار خطوة توسعها في آسيا والمنطقة بشكل عام، إلا أن مساعي روسيا وإيران لتعزيز أدوارهم في أفغانستان عقب انسحاب الناتو قد يجلب الكثير من المتاعب لأنقرة هناك.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى